قصة قصيرة واقعية
متى تنام هذه الوردة الحمراء
- عدت إلى الفندق في منتصف الليل ,
كانت الغرفة مضاءة ,
لا بد أن السرير المجاور لي سيستقبل رفيقا لي في الغرفة .......
دخل بقامته الفارغة ووجهه المتورد الذي يدل على أن رفيقي في ميعة شبابه .....
ألقى عليّ التحية إنه من فلسطين .....
جلس على السرير وحقيبته الجلدية السوداء بجانبه ,
فتحها واخرج منها زجاجة ,
تساءلت ماذا تحوي هذه الزجاجة ؟
هل هي طيب يتعطر به ؟ ....لا ...
إنها وردة حمراء ......
قلت له على سبيل المزاح
لا شك أن هذه الوردة قد أهدتك إياها فتاة حسناء أليس كذلك؟...
أن الوردة لا تزال رسولة الحب
- هذا ما يوحي إليك ظاهرها ولكن قصتها أعمق مما تتصور بكثير يا صاحبي ليست كلّ وردة توحي بالحب وليس الحب كلّ شيء في حياة الشباب
لقد أثار كلامه في نفسي الحيرة فأيقنت أن هذه الوردة وراءها قصة طويلة , ........ حدثني , ما قصة هذه الوردة الحمراء يا رفيقي ؟
- أنا واحد من الذين نزحوا من< يافا >وقد كنت صغيرا عندما نزحت أنا وعائلتي وأبناء< يافا> كلهم وقد كنّا في خيام متراكمة ثم انتقلنا من الخيام إلى بيوت من حجر , ولكنّ صورة بيتنا الأول مازالت عالقة في ذهني ...................... ,
عندما أذن لنا العدو الصهيوني بعد النكسة بحرية التجوال فكرت أن أزور بيتي ... البيت الذي وُلدت ونشأت فيه .............. , سافرت قبل شهر إلى <يافا >مع عدة ركاب في تلك السيارة الزرقاء التي عمّ الصمت فيها وبعد سفر طويل وصلنا أخيرا إلى <يافا>. ..... إنها المدينة التي شهدت مولدي وكانت موطن آبائي وأجدادي نزلت من الحافلة ومشيت وحدي على استحياء والعيون ترقبني , قصدت الحي الذي كان ينهض فيه بيتنا وأخيرا وجدت بيتي , غمزت الزر فرنّ رنينا عميقا .... هذا الزر الوحيد الجديد الذي رأيته على بابنا وما هي إلا لحظة حتى فتح الباب وأطلت منه امرأة نصفٌ في عمرها وجهها صارم ....
- من أنت؟ وماذا تريد؟ سألتني المرأه
فأجبتها : أيتها السيدة إنني فتىً من عائلةٍ كانت تملك هذا البيت
- فقالت السيدة : ولكنّ هذا البيت لي و أنا مالكته الآن
- فقلت :لم آتِ لأنزع منك البيت ..... فقالت السيدة : ولماذا جئت وماذا تريد ؟؟
- قلت : جئت أزور بيتي فقط , هل تسمحين لي ........ (لا) أجابت السيدة
اقشعرّ جلدي و أنا أصغي لرفيق غرفتي الجديد الذي اغرورقت عيناه بالدمع وراح يتم حديثه.......
- وقفت أمام هذه المرأة الوحشية لا أملك إلا دمعتين حائرتين ..... ,
فقلت لها : أما من شيء تسمحين لي أن احمله من هذا البيت ........,
فأجابت بسخرية جامدة : لا أريد أن يذهب تعبك سدىً ماذا تريد أن تأخذ ؟ ........... ,
بالأزهار ... إ
انها صفائحنا نفسها وأزهارنا ,,....... حتى الأزهار تتنكر لصاحبها !!......
وفجأة لاحظت آخر الفناء وردةٌ يبدو أنها تفتحت هذا الصباح ..
وردةٌ حمراءٌ مشرقةٌ تعلو على كلِّ الورود .....
فقلت : هل لي بهذه الوردة ؟ .....
فأجابت المرأة : لك ذلك شريطة أن تعطيني ثمنها ليرتين
لم أستطع أن أرفض طلبها .. أعطيتها النقود وجاءتني بالوردة ..
انحنيت عليها شماً وتقبيلاً وأغلقت المرأة الباب وعلى وجهها سخريةٌ لئيمة ولكن مع هذه القسوة التي عاملتني بها فقد علمتني درساً لن أنساه :
( ليس صاحب البيت من يرث البيت , لكن صاحب البيت من يحرسه ويحميه ولا يخرج منه إلا جثةً هامدة)
- وهنا سكت رفيق غرفتي الجديد وأنا أشعر بأن في أعماقه ناراً تتوهج وبعد صمت تقاسمناه معاً
ال : هذه قصة الوردة التي تراها بعينيك في الزجاجة ,
إنك تراها وردة ٌ ولكنّي أراها أبعد من ذلك ....
أراها رمزاً للنار لابدّ أن نشعلها .....
لابدّ أن نشعرها في وجه الصهاينة!!...!!
وأطفأ رفيقي النور وأغمضنا عيوننا بينما ظلت الوردة مستيقظة تتلامح بلونها الأرجواني .... ونمنا ولا يدري أحدٌ متى تنام هذه الوردةالحمراء؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!
هذه (ملخص القصة)
واحدة من قصص الشهيد الفلسطيني : غسان كنفاني
الذي اغتاله اليهود فقط من أجل أدبه (حق لا يموت)
والتي تربينا عليها في منهاج دراستنا المتوسطة
هي ليست مجرد قصص في نظري
إنها تعني لي أكثر من ذلك إنها تحكي ما عاناه الشعب الفلسطيني الجريح الذي طال جرحه وتأخر بلسم شفاؤه
ودمتم بخير